لاحظت طبيبة الأطفال أن شارلز طفل يتحاشى الاتصال والتواصل مع الاخرين، ولا يتحمل أن يلامسه أحد، ولايتفاعل مع الأصوات المحيطة ويصدر أنماط غريبة من السلوك، ، رغم أن اختبارات الأوديوغرام كانت سليمة.
اصطحبه والداه لأول مرة للقيام بالفحص الطبي-النفسي، وهو في سنه السنتين والسبعة أشهر. وحين وجد نفسه أمام الطبيب، أخذ شارلز يعبر عن استيائه القوي بالصراخ والبكاء والتنطع للفرار خارج الغرفة.
هذا الطفل ذو القوام الصغير، والجسم النحيف، والوجه اللطيف، والمظهر الهش طفل ذو نشاط حركي زائد، يتفحص الأمكنة الجديدة، بعجلة كبيرة، دون أن ينشغل بمن حوله من الأشخاص. إنه مفتون بالأشياء الآلية (الميكانيكية) ويبقى لفترات طويلة وهو يتأمل تشغيلها. يتسلق بخفة كبيرة الموائد وكل أثاث يتواجد أمامه. لايتوجع بعد سقطة، كأنه لايشعر بالألم، بالمقابل هو حساس و سريع التأثر.
شارلز مهووس بملازمة شيئين لا يتخلى عنهما؛ إذا اختفى أحدهما، أو هما معا عن مكانهما المعتاد، تثور فورة غضبه مجترا صراخات قوية، وبسهولة يصبح معاكسا ومزعجا. نفس الشيء إذا ما قرر أن يضع شيئا على هيئة معينة و في زاوية محددة، فإن أي تعديل أو تغيير طفيف يثير نوبة غضب حامية، مصاحبة لسلوك عدواني يتعنف فيه على ذاته. وبالمقابل كلما حقق هواه أو ما يبتغي؛ ينزوي مستغرقا بابتسامة عريضة وخاطفة يشرق بها وجهه. ولكن في اللحظة التي بعدها ، لا يبدي اهتمامه بما حققة أو بما هو في حوزته فيتابع بتهيج اكتشافاته الملحة في بحث عنيد عن معداته ( النادرة ).
طيلة حصة الفحص بكاملها، شارلز متعاون ومعارض، حاضر وغائب، يقبل أن يستعمل بيده الألعاب المقدمة له، لكن يهتم فقط بهيئتها الفيزيائية ( شكلها المجسد)، التي يراقبها بدقة متناهية في ارتخاء وسكينة، إنه لا ينظر إلى الفاحص( المختبـِر) الذي سلمه اللعبة، ولا يوجه اتجاهه أية إشارة أو إيماءة للجسم تدل على أن تمة انتباها أو اهتماما. وفجأة، ودونما سبب ظاهر يبتعد عن الفاحص، ويقطع الاتصال عنه، لكي يقف منفردا بابتهاج وتهلل بشيء جديد يكتشفه فيتناوله، ليستعمله بطريقة نمطية تكرارية ومتفردة.
يسجل الفاحص أن شارلز يصدر أنماط من السلوك شاذة وغير مألوفة: إنه يتمدد على الأرض، يمشي على أربع، يزحف، يفترش الأرض بأضلاع جسمه. وجهه منير تتقاطعه كشرات وابتسامات خاطفة وحركات متقطعة، متفلتة وآلية.
شارلز بقي أصم اتجاه نداءات الفاحص، أعمى تجاه دعواته للاتصال والتبادل. مع ذلك، نجح هذا الطبيب في أن يخلص شارلز من افتتانه بعدد من الأشياء، يقول: " أخذناه من يده، حدثناه بهدوء و استدرجناه برقة ولطف بالقرب من طاولة اللعب. الآن يهتم بلعبة أخرى، ولكن هذه المرة لم تكن لعبة جديدة، وكأنه قد انجذب بآليتها ( سر حركتها ) . اقترحنا عليه أن يجلس على الكرسي الصغير فرفض. بعد عدة دقائق من المفاوضات الناعمة والصبورة يقبل شارلز أن يبقى جالسا على ركبتي أبيه أمام مائدة الفحص، بينما تستقر أمه على القرب منهم.
---------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
سيرة-2